14‏/8‏/2008

سنكون يوماً ما يريد...



محمود درويش ،قلت فسجلنا....‏ أنا عربي‏، أنا اسم بلا لقب‏، صبور في بلاد كل ما فيها‏، يعيش بثورة الغضب‏
جاءك الموت ليقول، لقد حاورتني كثيراً ها قد حل دوري... أمهلتك
انتظرتك لتعد حقيبتك، فرشاة أسنانك وصابونك، وماكنة الحلاقة...الكولنيا والثياب، رحلتنا الآن ليست رحلة هازم ومهزوم... هي بداية للأبدية...
عندما دخل محمود إلى غيبوبته الأخيرة، تأملنا، أمنا، حاولنا ان نصدق انه سيصحو ويكتب جدارية أخرى، سيقوم اقوي يحاور الموت مرة أخرى وسيقتله إلى حين مرة أخرى... سيقول...
هزمتك يا موت الفنون جميعها
هزمتك يا موت الأغاني في بلاد الرافدين
مسلَّة المصري، مقبرة الفراعنة
النقوش على حجارة معبد هزمتك
وانتصرت وأفلت من كمائنك الخلود
فاصنع بنا، واصنع بنفسك ما تريد
قلت سنلقاه بعدها في حيفا ليتعمد في الكرمل،.... او هكذا املنا...
لكن هل انتهت الثنائيات... ثنائيات الحياة والموت...البداية والنهاية، الحضور والغياب، الخلود والزوال، هنا وهناك..
وليس هناك سوى هنا...
صديقة هاتفتني من المانيا تبكي، كيف يمكن ان تسمع خبر كهذا في شارع ألماني المارون به لا يعرفون من هو لنا، من يفهم هذا البكاء غيرنا، من يستطيع ان يفهم ان شمعه تضاء ألان على قارعة شارع برام الله مع أصدقاء الكلمة والحلم هو اكبر عزاء...
للحظات بعد وقع هذا الخبر ونحن نرنو إلى بحر حيفا القريب البعيد... بدأت أحس أن الفلسطينيين بدؤوا ينتهون... يخلصون واحد تلو الأخر...
والسيناريو جاهز، محمود درويش اعد لنا كل شيء، ننعيه من كلماته، حاور موته رسم شريط حياته وتلاه، حاور الحياة بجنرالاتها وجندها ومعشوقاتها وأمهاتها حاور الغياب والموت حاور الشاعر المرهق الذي فيه... وزهرة الأوركيد التي يلاغي بها تلك المتمنعة...

بحثت عن كلمات محمود في مكتبتي فوجدت اني ضحيت بأغلب كتبي، لعاشقين أكثر غرقاً مني به، فتاة مغربية التقيتها في أمريكا اعرف انها تتصفح ألان كتاب في حضرة الغياب، كانت على استعداد لقتلي كي تنتزعه مني.. وأعطيتها لفرط عشقها... صديقتي الأخرى الجليلية الشاعرة ورغم اعتكافها وبحثها عن المعنى في الدين مؤخراً، لا تزال تخون الإيمان بحبها له، تسترق النظر إلى حب أخر، أمسكت اثر الفراشة وفارقته ليدها.. وكأني أوزع هدايا حب وقطع من الوطن للعطشى...
عندما التقيته السنة الماضية على فنجان قهوة مع أصدقاء في رام الله، رايته معداً وينتظر.. متعب من الحياة، التي أراد أن يكون ابنها وليس ابن فلسطين فقط... وبرغم الانتظار... نثر اثر الفراشة ورمى النرد كشباك الصياد ليقيتنا بصيده... هو الشعر بحره الجامح والوافر الخصب من التاريخ والوطن والحب..
محمود درويش كان وسيزال الساقي لأرواحنا، لخيباتنا، كبواتنا لهاماتنا التي تحنو فيرفعها... ويقول لموتنا :
هذا البحرُ لي،
هذا الهواءُ الرَّطْبُ لي
هذا الرصيفُ وما عَلَيْهِ،
من خُطَايَ وسائلي المنويِّ … لي
ومحطَّةُ الباصِ القديمةُ لي.
ولي شَبَحي وصاحبُهُ.
وآنيةُ النحاسوآيةُ الكرسيّ،
والمفتاحُ ليوالبابُ والحُرَّاسُ والأجراسُ لي
لِيَ حَذْوَةُ الفَرَسِ التي
طارت عن الأسوار … لي
ما كان لي.
وقصاصَةُ الوَرَقِ التي
انتُزِعَتْ من الإنجيل لي
والملْحُ من أَثر الدموع على جدار البيت لي …
واسمي،
إن أخطأتُ لَفْظَ اسمي
بخمسة أَحْرُفٍ أُفُقيّةِ التكوين لي :
ميمُ / المُتَيَّمُ والمُيتَّمُ والمتمِّمُ ما مضى
حاءُ / الحديقةُ والحبيبةُ،
حيرتانِ وحسرتان
ميمُ / المُغَامِرُ والمُعَدُّ المُسْتَعدُّ لموته
الموعود منفيّاً، مريضَ المُشْتَهَى
واو / الوداعُ، الوردةُ الوسطى،
ولاءٌ للولادة أَينما وُجدَتْ،
وَوَعْدُ الوالدين
دال / الدليلُ، الدربُ، دمعةُ
دارةٍ دَرَسَتْ، ودوريّ يُدَلِّلُني ويُدْميني /
وهذا الاسمُ لي …ولأصدقائي،
أينما كانوا، ولي جَسَدي المُؤَقَّتُ،
حاضراً أم غائباً …
مِتْرانِ من هذا التراب سيكفيان الآن …
لي مِتْرٌ و75 سنتمتراً …
والباقي لِزَهْرٍ فَوْضَويّ اللونِ،
يشربني على مَهَلٍ،
ولي
ما كان لي :
أَمسي، وما سيكون لي
غَدِيَ البعيدُ،
وعودة الروح الشريد
كأنَّ شيئا ً لم يَكُنْ
وكأنَّ شيئاً لم يكن
جرحٌ طفيف في ذراع الحاضر العَبَثيِّ …
والتاريخُ يسخر من ضحاياهُ ومن أَبطالِهِ …
يُلْقي عليهمْ نظرةً ويمرُّ …
هذا البحرُ لي
هذا الهواءُ الرَّطْبُ لي
واسمي -وإن أخطأتُ لفظ اسمي
على التابوت -لي.
أَما أَنا - وقد امتلأتُ بكُلِّ أَسباب الرحيل - فلستُ لي.
أَنا لَستُ لي
أَنا لَستُ لي …

7‏/7‏/2008

في تزويج الأطفال 2



ريم...

في السنة الأولى لدراستي الجامعية في القدس، شاركت في مشروع " بيرح" للمنح الجامعية، وبدأت بإرشاد "ريم" - طفلة في الثانية عشرة من العمر من قرية العيسوية المجاورة للقدس.. في يوم غريب لا زلت اذكر الجمود الحجري الذي أصابني.. ريم اتصلت بي لتخبرني انها تحمل بشارة لي.. كاد يتوقف قلبي عندما حضرت للقائنا تلبس سلسلة ذهبية شرسة كالجنزير..
- " معلمتي انخطبت "...
لم استطع تصور أي شيء في هذه اللحظة، سوى ان ريم أمضت عدة جلسات معي لكي تنجح في حساب 5x 5... وأنها أصيبت بالهلع وكادت تهرب من يدي عندما حاولت الصعود معها على الدرجات الكهربائية خلال جولة في الجامعة..
أمها لم تكن سعيدة، لكنها اعتقدت ان هذا لمصلحتها فأوضاعهم صعبة، وجسم ريم ليس بصغير نسبة لجيلها.. وانه لن يكون الممكن إرسالها للدراسة الثانوية في القدس.. لان الزعران كثر على الطرقات... وهناك الجنود وهي ايضاً ليست نابغة زمانها في الدراسة... ولأن.. ولأن...، وكأن كل القضية الفلسطينية ومخرجاتها تحتم زواج ريم في الثانية عشرة من عمرها...
حاولت... قدر استطاعتي في ذلك الوقت... ولم انجح بإيقاف المأساة التي اعرف إنها ستحدث لا محالة... بعد ذلك ريم تحجبت متطوعة لكي تثبت لأهلها إنها على قدر المسؤولية.. او ربما كانت سعيدة.. !
كانت نهاية السنة في مشروع المنح والإرشاد ستختتم بيوم ترفيهي كبير والعاب ومسابقات لجميع الأطفال المشاركين... مهمتي الصعبة كانت إقناع والدها أنه ليس عيباً ان تشارك "صبية" مخطوبة بيوم كهذا. اقتنع في النهاية واصطحبتها الى اليوم الترفيهي... لأجد ريم المخطوبة وهي تحمل حقيبة كتف كالكبار.. تقف مشدوهة على المدخل تتردد في الدخول رغم تحمسها العارم قبل وصولنا... صدمتها رؤية الألعاب الكبيرة المنفوخة التي تشبه القصور في قصص الأطفال، ربما أحست ان هذا ليس مكانها وأنها لن تستطيع أن تلعب منذ الآن وصاعداً... أحسست في اللحظة اني ربما أخطأت بإحضارها لهذا المكان، ليس لان ريم ستفتقد لكل هذا في حياتها القادمة، فالعيسوية كلها ليس بها مرجوحة واحدة للعب... ربما كانت هذه مواجهتها بواقع لا تستطيع تغييره الآن، او ربما لأن هذه هي المرة الوحيدة التي تجد أمامها فرصة للعب غير المقيد والمنوع في جنة الألعاب هذه التي لا يعرفها أطفال القدس أي كانوا.. لكنها وصلته وهي غير قادرة على التمتع به...
نظرت إليها وسألتها هل تريدين اللعب ؟ كانت خجلة من الإجابة..
مددت يدي إليها فناولتني منديلها وحقيبتها وقفزت إلى الألعاب المنفوخة.. ومنها إلى بركة الكرات، كانت البنت الوحيدة في المنافسات على تسلق الحبال وفازت بدمية صغيرة، لعبت إلى ان خارت قواها... ربما للمرة الأخيرة..
من هم في جيل عادي للزواج يصنعون الحفلات لتوديع العزوبية، هذه كانت حفلة ريم لتوديع الطفولة.. !
بعد عدة أشهر دعتني لحضور عرسها، لكن لم استطع الذهاب ورؤية وجهها الصغير ممرغا بالألوان.. اعتقد أني رأيتها مرة واحدة بعد ذلك بسنوات، امرأة بيضاء الوجه خضراء العينين.. تراقبني من شباك الحافلة المتجهة إلى العيسوية..


مقبولة نصار 7.7.08


في تزويج الأطفال 1.

ألاء....

في قاعة تخريج الفوج الواحد والعشرين لمدرسة ابن سينا في قرية نحف، كان يجب أن تعزف أغاني تجلاية العروس، أو أن يجمع مدير المدرسة النقوط، أو أن يضع المعلمين فوطاً على أكتافهم ويبدؤون بتقديم الغداء للغربية ولأهل البلد والمعازيم... وقد تطلق بعض الأعيرة النارية احتفالاً بزواج إحدى الطالبات التي صادف زفافها يوم التخرج فحضرت إلى قاعة التخريج مع عريسها بثوب الزفاف راقصة محتفلة بفرحتين...
حسب الخبر في
موقع العرب الذي غطى الاحتفال، ونقل لنا اللحظات السعيدة : " حفل تخريج مميز بزواج الطالبة ألاء عباس من عريسها ظافر حسين الذي صادف حفل التخريج في نفس يوم زفافهما... * حضرت العروس بالبدلة البيضاء لتستلم شهادة إنهاء الصف الثاني عشر ولتودع رفاقها "
هناك مواقف أجد نفسي بها عاجزة عن التعبير، رغم أن لساني مجازياً يقاس بالأشبار...وليس هناك من هم أكثر مني تعرضاً لهذا الموضوع العيني، هذه الأوضاع التي تؤول بنا يوم بعد يوم، أصبحت اشعر حيالها ككرة ثلج تنحدر وتتضخم لتهوي على رؤوسنا وتخنقنا بثلجها الأبيض كبياض أثواب العرائس الأطفال... فمنذ أن تخرجت من كلية العمل الاجتماعي في الجامعة العبرية، وأنا أناهض ما يسمى الزواج المبكر، والمعنى الأدق تزويج الطفلات....
للأسف لا أجد مكان هنا لإبداء الحساسية ولسعادة الصبية الطفلة المتزوجة، قد أقول أنها على الأقل أنهت الثاني عشر، لكن هذه الصور العبثية المرفقة أجدها من نوعية الأمور التي تسير بنا بفخر إلى الحضيض...
جريدة عربية مرموقة تهلل للزواج المبكر وتنشره كتلوين لصفحاتها بدون أي نقد او مسؤولية اجتماعية، ربما تشرع وتحضر للرقصة القادمة في تخرج الإعدادية او الابتدائية حتى...
من ينظر الى الصور المرفقة يلحظ ان الصبايا المتخرجات والجميلات خاصة، يحضين بتغطية خاصة وصور فردية.. ربما هي دعاية مجانية للزواج.. وأعتذر لكل فتاة تظهر في هذه الأخبار، قد لا يكون هذا الإعلان باختيارهن أو هو ما قصدنه، اعرف انه شعور جميل ان تنشر صورتك في الأخبار الصحفية، لكن هل هذا من أجلك؟ ومن اجل انجازك؟ أم انه يزيد من عدد المشاهدات والدخول إلى مواقع الانترنت..

منذ مدة طويلة تحاول الجمعيات النسوية العربية الصراخ، ولفت النظر الى هذه المشكلة، انا شخصياً ادعى واذهب مراراً لتقديم المحاضرات حول الزواج المبكر وكأنها فعالية اعتيادية، مثل برامج قراءة الكف ودروس التجميل في الفعاليات النسائية، وبعد المحاضرة تصافحني الأمهات المشاركات بقول : " كثير حلو.. الله يوفقك ويستر عليكي...."، فكيف يمكن لمحاضرة ساعة ونصف ان تغيير من ترسبات تربية أجيال، ان الزواج هو المصير المثالي باي ثمن وان المرأة ستكون ناقصة بلا زوج... وستر.. حتى لو كانت محاضرة او اعلامية او..
في أماكن أخرى وصل الأمر إلى أكثر من ذلك.. في السعودية
مأذون مدينة جدة شرع بزواج الرضيعات بشرط الدخول بهن بعد التاسعة !! أي شرع باغتصاب الأطفال و "البدوفيليا".. قد يتنكر له الغالبية من رجال الدين، لكن ربما سيكون هناك اب واحد على الأقل سيسعده الحصول على فتوى لبيع طفلته.. وهذا لم يكن طفرة او صدفة، كل هذا سبقه إعداد وشرعنه، أكان من النظام ام من رجال الدين او من الصحافة والإعلام... او.. او... او من الصامتين.
قبل ان ينفذ صبركم على كلماتي، لست ضد الزواج والفرح، والعائلة هي اجمل ما يمكن ان يؤسسه الانسان في الحياة... لكن لماذا هذا الغباء؟
لماذا يجب أن تحرم الطفلة من مراهقتها؟
لماذا أصبحت كلمات مثل " الشاب بدو يربيها على ايدية" مباحة ؟
لماذا نتعمد اللف والدوران حول المشكلة؟
زواج الأطفال هو عمل إجرامي بحق جميع من يشارك به. أكانت الطفلة ام من تزوجها او أطفالها حين يولدون...
انه تكريس لدونية المرأة... تكرس للتعامل مع المرأة كسلعة لها تاريخ انتهاء ونفاذ صلاحية...
والأفضل تناولها غضة وصغيرة... !!
انه اغتصاب وتشريع لممارسة الجنس مع الأطفال...
آسفة.. لكن إن لم نصدم فلن نتغير ولن نتحرر ..


مقبولة نصار 7.7.08

25‏/6‏/2008

بقرة جحا...



عندما نقرر عن نكتب عن قانون جديد، وبالذات في هذه البلاد حيث تتواجد فئة خاصة لوصف بعض القوانين وهي فئة القوانين العنصرية، اشعر أنه علي ان أكون حقوقية مملحة أو مفلفلة كما يقال، لكي اسمح لنفسي بالحديث بهذا السياق أصلا وكأن هناك علاقة بين الطبخ والقانون، ولكن بما أن القانون فاشي جداً بنظري، وبما أن هذه مدونتي الخاصة، وقد رفعت شعار "مدونتك ولا جميلة الناس" فسوف اكتب ..
القانون المسمى قانون
"درومي" نسبة الى شاي درومي، وهو مربي مواشي، أي حسب تصنيف المهن العربية "بقار"، وحسب لسان العرب صاحب أبقار، والذي أملكته أي قدمت له دولة إسرائيل "الديمقراطية" مساحات واسعة من المرعى ليبني عليها بشكل مدعوم مادياً وايدولجياً مزرعة وحيد في أراضي النقب الشاسعة، وهذا من اجل لجم انتشار العرب البدو على أراضيهم التاريخية.
في يوم وضحاه قامت الدنيا وأقعدت، إذ تسلسل احد أبناء النقب ممن اتخذ من سرقة المواشي مهنة، إلى مزرعة البقار درومي، فما كان منه إلا ان أرداه قتيلاً بسلاحه الناري المرخص.. وأمس تشرع الكنيست الإسرائيلية قانون يسمح لكل من يقبض على متسلل أو سارق في بيته أو مصلحته أو مزرعته بالدفاع عن نفسه حتى عن طريق القتل.. لكي لا يقع من هم من فئة درومي تحت طائلة القانون فيما لو قتلوا متسللا أو سارقا في مزرعتهم... وهذا تقديسا للعمل العبري ورسالة تخضير البلاد وخلاصها من الأيدي العربية..

قصة النقب قد تكون معروفة للقاصي والداني، وبدون طول سيرة، قبل الاحتلال عام 1948 كان بدو النقب، المجموعة الاصلانية الفلسطينية تملك حسب السجلات الانتدابية 1,260,000 من أراضي النقب، وبعد تهجير الشعب الفلسطيني على يد العصابات الصهيونية وتهجير أهل النقب بشكل خاص بموجات تطهير متعددة، قامت هذه الدولة الديمقراطية بتركيز البدو في مناطق معينة، ومنعهم من العيش على أراضيهم. ومن بقي منهم يسكن اليوم قرى معترف بها لم تراعي نمط حياتهم السابق أو حقهم بالأرض، والجزء الأخر يعيش في تجمعات غير معترف بها من قبل دولة إسرائيل بدون أي خدمات حياتية أساسية مثل الماء والكهرباء .. والصراع المستمر هو على ما تبقى من الأرض... وهي لا تزيد عن خمس ما كان يملكه البدو سابقاً.بن غوريون انتبه إلى النقب منذ البداية واختاره ليكون مسكنه بعد تقاعده ومدفنه بعد مماته، ليشكل بذلك قدوة لليهود ودفعهم للانتقال الى هذه الصحراء بدل أن يستمر العرب بامتلاكها... وأعقبه من أعقبه في سياسته وهم كثر، فعلى سبيل المثال سيئ الذكر والصيت شارون صرح في العام 2000 ما يلي: "تواجه إسرائيل مشكلة صعبة جداً في النقب، فان حوالي 900 ألف دونم من الأرض ليست بأيدينا بل بأيدي السكان البدو"..
نعود إلى البقار درومي... والذي اعتبره المثال الحي على توطين اليهود، وتمكنيهم من ارض النقب، من خلال مزرعة أبقاره العامرة وهي واحدة من عشرات المزارع المسماة مزرعة وحيد، فيما تم حجز البدو الفلسطينيين في مناطق صغيرة وهم الرعاة والبقارة الأصليين، هذا فيما لو تعاملنا مع المهن التقليدية للإنسان وفق طبيعة بيئته ومعيشته.. ولكن تشاء السياسة الإسرائيلية بعد 60 عام من الإفقار وضغط أهل النقب العرب إلى ادني مستويات العيش، لتصل نسبة البطالة في القرى غير المعترف بها إلى إضعاف النسبة في دولة إسرائيل.. ناهيكم عن مستويات الفقر والتسرب ونسب وفيات الأطفال وانعدام الفرص للحياة الشريفة للغالبية...
لم يكلف احد نفسه بفحص كيف أصبح بعض أبناء النقب البقارة الطبيعيين سارقي مواشي، وأصبح درومي مالكا لآلاف الدونمات مع بقراته!
الأسبوع الفائت فقط قررت النيابة الإسرائيلية الاستمرار بمحاكمة سبع شبان من شفاعمرو، بتهمة قتل الإرهابي ناتان زادة الذي قام بقتل 4 من أبناء المدينة بشكل متعمد وإجرامي.. فلا يحق للعربي أن يقتل من يقوم بقتله إذا كان يهودياً، بينما يسمح لليهودي بالقتل فيما لو عبر احد حدوده فقط ...!
لا ابرر السرقة بأي شكل من الإشكال، لكني أدافع عن حق السارق بالمحاكمة بدل من الإعدام الميداني...
واعتبر أن حياته أغلى من حياة البقرة، مع احترامي لكل جمعيات الرفق بالحيوان، فليس لدي موقف معادي للبقرة فأنا أحبها هولندية كانت أم عربية أم مشوية... ولكن يا بقرتي العزيزة لقد أصبحتِ ذريعة للقتل ولسلب الأرض...

فالقضية ليست قضية بقرة مهددة، بل هي قضية الأرض... وقضية المشروع الصهيوني الذي يحاول زرع درومي واقتلاع ابن النقب الفلسطيني، لم يكن قط المشروع الصهيوني مشروع خجلاً، فهو مشروع وقح وعنصري منذ البداية، والآن هذا المشروع أصبح يقيم البقرة بأكثر من قيمة الإنسان فيما لو كان عربياً...!
مقبولة نصار 25.6.08

22‏/6‏/2008

( قطعة قديمة ) قطرة قطرة ...




تنقر رأسي ذرات دافئة .. تفعل الجاذبية فعلها في اقل من متر بين رأسي وفتحة الدوش .. صداع اليوم بدأ يتخذ وقع مختلف ، تك...... تيك .... تيك.... تيك وموجات من راحة وألم. أغمضت عيني واستسلمت للرتم الرتيب... تنسل القطرات بين شعري الجاف تواصل انحدارها بلا رقيب أو حواجز... إلى الأكتاف ، الصدر وتواصل تفحصها لجسدي حيثما شاءت ..
تيك ...تيك ... كدقات الساعة تفرض الوقت علي أو انه يفرض نفسه ... بصوت رنيم ، وهوية رقيقة تارة توك وتارة تيك .. تختار القطرات معزوفتها على رأسي، وقطرات ماء تتجمع على جسدي كحبات العرق، تجف على مهل.. تذكرني بصور عارضات الأزياء في دعاية الترويج للمشروبات الغازية.... افتح فمي بتلهف تسقط القطرات على لساني، أعدها، اشربها، أتلقفها بعيون مغمضة، كعطش في صحراء الضياع، الثمها حول فمي حاشا أن تضيع رقراقة شاردة، أتلهف أن تزداد أو تتسارع... لكنها تستمر بتاك ... تيك ...
غير مستعجلة لها وتيرتها ، بمعيار واحد لا تكبر ولا تصغر....وفي فينة تثور عصبيتي، يصبح الصوت كتعذيب في هدوء زنزانة، يتحداني يشعرني بطول الوقت وطول انتظاري، أو تصبح القطرة كمطرقة، طرقة تتبعها طرقة.. أخاطبها فلا تجيب.. من تظنين نفسك ؟ مياه معدنية ؟ .. نادرة الوجود زلال حلال أم قد تكونين حليب كيلوبترا ... ؟ ربما . .. تتعالى ولا تجيب... أحاورها ونبدأ بالتعارف ، أمن جبل الجرمق أتيت؟ عبرت وديان بلادنا كلها؟ ولكن هاهم أسروك أنت أيضا في مواسير أدق من زنزانتي.. أم من باطن الأرض جئت، تفجرت إلى النور؟ لتصطادك الأنابيب.. إذن نحن كلانا سجناء هنا نكمل مدتنا ونرحل إلى مدة أخرى..

فانتازيا الحمام الدافئ راودتني طول الطريق، فقاعات صابون عطرية وشلال يشطف ترحال اليوم ، مغمضة عيني ، صامتة لا أغنية ولا لحن يدندن في فمي ... أقف رافعة راسي أتلقى موجات من ماء ضبابي .. يبخر ذاكرة يومي ... يجعل من شعري خصال طويلة يقطر الماء المتسارع أخرها .. كأنه دين مستحق استرجعه أخر النهار، أتنفس براحة.. استرجع أنفاس اليوم المبتورة كلها... هنا اكتب ما أريد على المرآة التي أخفاها البخار ، هنا قد اغني بأنبوب الدوش الذي يشبه الميكرفون، وقد ارفع خطاباً ترتفع له هامات الجماهير ، هنا قد ابتسم لنكات أو اضحك لهفوات أناس رأيتهم وقد نسيت أن اضحك حينها ..هنا قد أغفو قليلاً ولا احد يراني بين رواد محاضرة، هنا قد القي قصيدة أو أصبح شاعرة أو ممثله ، هنا قد أكون ما أكون ..

كم هو مريح حينما تتقلص رغباتنا بشيء صغير، ينتظرنا في بيتنا ، نعرف أين هو ويعرفنا ويعرف حميمياتنا وأدق تفاصيل جسدنا دون رياء، فلا حاجة أن اشهل صدري أو اقبض بطني ... القي حقيبتي ومفاتيحي، يطير حذائي عن قدمي وادخل إلى فصل الختام، أغلق الباب انزع عن كاهلي ملابس النهار لا آبه أين القيها، أخطو بوداعة تحت الدوش .. وألف مقبض الماء بكامل قوته دورة كاملة .... لتنهمر المياه على راسي ... تيك .... تيك ... تيك ........
سحقاًااااااااااا مكوروت قطعت الماء،....... مرة أخرى !!.

مقبولة نصار – 4/5/2005

19‏/6‏/2008

ترنزيت



أهو ذاته سمير ؟
سائق ترنزيت من العيسوية ... 36 عاماً وأب لطفلين؟

هذا ما يقوله الخبر،

وابتسامته في الصورة تشهد انه هو سمير ...
كم مرت عجلة الزمن بسرعة، سمير صار عمرة 36 سنة،
تزوج...
وأنجب طفلين...
وقتل !!
لم أصادف هذا الخبر قبل سنتين عندما قتل سمير داري من العيسوية على يد شرطي ادعى انه حاول دهسه على حاجز. ربما كنت مررت عليه بتصفح ميكانيكي، في وقت أصبحت أخبار الشهداء عنوان اعتيادي يتغيير عددهم فقط..
الخبر الجديد الذي أعاد وجه سمير الضاحك الى الجرائد، كان تبرئة الشرطي القاتل رغم إثبات الطب الشرعي ان سمير كان خارج السيارة وقتل من الخلف مباشرة..

سمير كان العضو غير المنتخب في لجنة الطلاب العرب في الجامعة العبرية منتصف التسعينات، اللجنة على زماننا كما نقول... ينقذنا بسيارته من برد القدس أينما نكون في أي وقت بعد توزيع المناشير، او بعد مظاهرة او أي فعالية انتخابية أو قتالية حتى، أيام عندما كان يهمنا الأمر..
يكون موعده ليلملمنا بعد عناء معاركنا الصغيرة، ويعيدنا الى السكن او الى الجمعة التالية للتقييم او السب او فقط لالتهام كعك السمسم والزعتر من المصرارة...
سيارة الترنزيت المزركشة ككل سيارات العيسوية التي يعرفها طلاب القدس جيداً كانت سيارة اللجنة، ليس لان هذا عمله وما يكسب منه لأنه قليلا ما كان يأخذ المال لقاء توصيلاتنا، كان يعرف ويشارك بتفاصيل الانتخابات والمؤامرات والقائمة الجديدة التي تطلع علينا كل انتخابات بلا شور ولا دستور، فقط لأنه هناك دائماً طلاب ضد كل شيء ولا يفعلون أي شيء لتغيير أي شيء.. يضحك وهو يقود.. ذات الضحكة في صورته الى جانب الخبر..

مرافقة سمير لنا نحن المجانين المجترين للسياسة والمحروقة دمائهم، فيما ينام بقية الطلاب ملئ أعينهم، كأنها وقوف الى جانب ما كنا نفعل، يريد ما نريد ويقدم ما يستطيع، نريد حل عادل لشعبنا، نتظاهر ضد مقتل طفل في العيسوية، ضد مجزرة قانا، نتضامن في رام الله ونحضر مهرجان فلسطين، نوزع مناشير، نحاول إيقاظ زملائنا، نشجب ونماحك امن الجامعة لنشعر اننا موجودين... ونقاتل بعضنا لأننا جميعاً نعتقد اننا أفضل من يقود الحركة الطلابية... كان معنا ومع كل ما نفعل..
الان وبعد سنين وبعد العديد من الاحباطات التي ظهر بها جهد تلك الفترة في غير مكانه، كنت بدله استطيع الترفيه عن نفسي أكثر أو الاستمتاع بحياة الجامعة.. يعود سمير ليذكرني لماذا كان يهمنا الأمر يوماً..

18‏/6‏/2008

ضمير جندي عربي

شئت ام أبيت، ان لم تكن نائماً في قطار الصباح الذي يحملك الى تل ابيب، مؤكد ستسمع توصيات زوجة لزوجها على الهاتف الخلوي بأن يسخن الطعام وينزه الكلب .. او صوت أخر يريد لكل القاطرة ان تعرف انه مدير على شخص ما او شيء ما، او ستسمع بعض اللذين تتسع وقاحتهم الإسرائيلية لإتحافنا بتفاصيل حياتهم ونحن نحاول سرقة غفوة ترضية عن الصحو مبكراً…
هذه المرة تظاهرت بعدم الاهتمام، تجهمت سحنتي وهربت بوجهي باتجاه البحر المتسارع من النافذة، بل ولجمت نفسي عن الانفجار في كل لحظة ولطم المتحدثين الشابين الى جانبي بصرمايتي الكعب.. حتى وان كانت جديدة مش خسارة.

تمنيت ان يعتقدا إني لا اعرف العربية، فلو عرفا لربما خجلا من الاستفاضة في حديثهم المسنود بالتفاصيل…
لا، لم يكن الحديث عن مغامراتهما مع الفتيات او أمور تحب المرأة استراق السمع إليها لتكتشف كيف يراها الرجال … بل كان عن يومياتهما ومذكراتهما من الخدمة الطوعية جداً في الجيش الإسرائيلي… ! وقبل ان تظنوا ان الحزورة سهلة وان أبطال الحرب المتطوعين للدفاع عن الوطن هما بدويين او درزيين، اسفة لتخييب ظنكم… فان لهجتمها تتبع لإحدى قرى الجليل التي لا تحمل هوية طائفية او قبلية ..
إذن للمعلومات العامة، المجندين العربي ترقوا في الجيش وما عادوا قصاصي اثر وجنود مطابخ, وأصبحوا يخدمون في الوحدات القتالية رجلهم على رجل الاشكناز أبناء الجنرالات ومفخرة الصهيونية الأصلية..., الأول الذي أنهى الخدمة يقول للثاني الذي لا يزال في شهره الثامن.. "من الخدمة طبعاً"، ان الدخول لاختطاف المطلوبين يكون صعباً في المرأة الأولى فقط..، (طبعاً ككل شيء..)، ولم يفته ان يذكر قصة قدرية تشبه الأفلام الهندية، ان جندي من القرية البدوية تلك كان قد دخل بيت خلال توغل في غزة، وشاهد صورة لأناس معلقة على الحائط كان قد رآها في بيتهم وتبين ان "المخرب" المطلوب هو قريبه … ( شوف هالصدفه!!، بالفعل كيف من الممكن ان يحدث شيء كهذا؟ يعني لو فرضنا ان هناك فلسطينيين كانوا يعيشون في هذه البلاد وهجروا وفصلوا عن أخوتهم وتفرقوا في بلاد الله الواسعة, لقلنا ها ممكن ان يحدث, اذن هي بالفعل صدفة غريبة تصلح حبكة لفيلم !!)
لوهلة كدت أشفق على هذا المسكين! فقد روى ان وقت خدمته كان صعباً جداً وان اليوم عز نسبة الى تلك الأيام من الانتفاضة، وان التعليمات كانت في اغلب الأوقات إطلاق النار على الجزء العلوي من الجسد …وكثير ناس انقتلت ..
ولكي يرتاح ضميره ويبرر مع ما عمله في هذه السنتين لا بد إلا أن يذكر، إنهم.. اي هم الفلسطينيين منهم كثيرون " مش اوادم "، يبلغون عن بعضهم البعض، وانه بأم عينيه كان شاهداً على رجل حضر بنفسه وقبض ستة ألاف شيكل نقدا، وضعوا على رأسه قناع اسود وأصطحبهم إلى مخبأ أخيه المطلوب…
وبرتم الراوي في ديوان يستهجن ان درزي من دار كذا وبلد كذا، مرة اجبر رجل كهلاً أراد عبور حاجز "الزعيّم" على تنزيل حمولة شاحنة سقايل بناء كاملة بيديه من اجل التفتيش، وان الكهل ركع على ركبتيه واستجداه ان يتركه لحاله، لكنه رفض. وبعد ان استغرقه نهار كامل ليفرغها على ظهره قال له " خلص، حملها من جديد بطلت أفتّش"….
وبالرغم من كل شيء "بعدو الواحد عندو ضمير".. وحتى انه حاول ثني الدرزي الي من دار كذا وبلد كذا، عن هذا العمل لان الرجل لا يبدو مخرباً..!! لكنه لم يقبل. ودلالة على وجود ضميره، فقد قدم بعض الماء للرجل الكهل، لكنه رفض ان يأخذ منه ماءه…
وختم يقول : "يعني الواحد شاف كثير وقليل …وكلو حرام، بس بالأخر بنروح نحج .. وكلو بينمحى …." !!!
بعد سماع هذه الجملة كنت بحاجة لخمس دقائق لفك تقاطيع وجهي التي تلبدت واشتبكت ببعضها …
لا اعرف من أبدع هذه الفتوى لهذا الشاب، أهي فتوى مختومة من رابي الجيش، أم أنها فتوى الجهل ام فتوى العجز، ام فتوى مخصصات ما بعد الخدمة، وربما وأقول ربما كي لا اظلم احد، ربما هي فتوى الهوية المشوهة..

هذا الشاب خرج إلى محطته بعد ان قال هذه الجملة بقمة الطمأنينة .. وهو متأكد انه سيمحو خيانة ذاته بزيارة إلى مكة …!!!


31.7.2007