7‏/7‏/2008

في تزويج الأطفال 2



ريم...

في السنة الأولى لدراستي الجامعية في القدس، شاركت في مشروع " بيرح" للمنح الجامعية، وبدأت بإرشاد "ريم" - طفلة في الثانية عشرة من العمر من قرية العيسوية المجاورة للقدس.. في يوم غريب لا زلت اذكر الجمود الحجري الذي أصابني.. ريم اتصلت بي لتخبرني انها تحمل بشارة لي.. كاد يتوقف قلبي عندما حضرت للقائنا تلبس سلسلة ذهبية شرسة كالجنزير..
- " معلمتي انخطبت "...
لم استطع تصور أي شيء في هذه اللحظة، سوى ان ريم أمضت عدة جلسات معي لكي تنجح في حساب 5x 5... وأنها أصيبت بالهلع وكادت تهرب من يدي عندما حاولت الصعود معها على الدرجات الكهربائية خلال جولة في الجامعة..
أمها لم تكن سعيدة، لكنها اعتقدت ان هذا لمصلحتها فأوضاعهم صعبة، وجسم ريم ليس بصغير نسبة لجيلها.. وانه لن يكون الممكن إرسالها للدراسة الثانوية في القدس.. لان الزعران كثر على الطرقات... وهناك الجنود وهي ايضاً ليست نابغة زمانها في الدراسة... ولأن.. ولأن...، وكأن كل القضية الفلسطينية ومخرجاتها تحتم زواج ريم في الثانية عشرة من عمرها...
حاولت... قدر استطاعتي في ذلك الوقت... ولم انجح بإيقاف المأساة التي اعرف إنها ستحدث لا محالة... بعد ذلك ريم تحجبت متطوعة لكي تثبت لأهلها إنها على قدر المسؤولية.. او ربما كانت سعيدة.. !
كانت نهاية السنة في مشروع المنح والإرشاد ستختتم بيوم ترفيهي كبير والعاب ومسابقات لجميع الأطفال المشاركين... مهمتي الصعبة كانت إقناع والدها أنه ليس عيباً ان تشارك "صبية" مخطوبة بيوم كهذا. اقتنع في النهاية واصطحبتها الى اليوم الترفيهي... لأجد ريم المخطوبة وهي تحمل حقيبة كتف كالكبار.. تقف مشدوهة على المدخل تتردد في الدخول رغم تحمسها العارم قبل وصولنا... صدمتها رؤية الألعاب الكبيرة المنفوخة التي تشبه القصور في قصص الأطفال، ربما أحست ان هذا ليس مكانها وأنها لن تستطيع أن تلعب منذ الآن وصاعداً... أحسست في اللحظة اني ربما أخطأت بإحضارها لهذا المكان، ليس لان ريم ستفتقد لكل هذا في حياتها القادمة، فالعيسوية كلها ليس بها مرجوحة واحدة للعب... ربما كانت هذه مواجهتها بواقع لا تستطيع تغييره الآن، او ربما لأن هذه هي المرة الوحيدة التي تجد أمامها فرصة للعب غير المقيد والمنوع في جنة الألعاب هذه التي لا يعرفها أطفال القدس أي كانوا.. لكنها وصلته وهي غير قادرة على التمتع به...
نظرت إليها وسألتها هل تريدين اللعب ؟ كانت خجلة من الإجابة..
مددت يدي إليها فناولتني منديلها وحقيبتها وقفزت إلى الألعاب المنفوخة.. ومنها إلى بركة الكرات، كانت البنت الوحيدة في المنافسات على تسلق الحبال وفازت بدمية صغيرة، لعبت إلى ان خارت قواها... ربما للمرة الأخيرة..
من هم في جيل عادي للزواج يصنعون الحفلات لتوديع العزوبية، هذه كانت حفلة ريم لتوديع الطفولة.. !
بعد عدة أشهر دعتني لحضور عرسها، لكن لم استطع الذهاب ورؤية وجهها الصغير ممرغا بالألوان.. اعتقد أني رأيتها مرة واحدة بعد ذلك بسنوات، امرأة بيضاء الوجه خضراء العينين.. تراقبني من شباك الحافلة المتجهة إلى العيسوية..


مقبولة نصار 7.7.08


في تزويج الأطفال 1.

ألاء....

في قاعة تخريج الفوج الواحد والعشرين لمدرسة ابن سينا في قرية نحف، كان يجب أن تعزف أغاني تجلاية العروس، أو أن يجمع مدير المدرسة النقوط، أو أن يضع المعلمين فوطاً على أكتافهم ويبدؤون بتقديم الغداء للغربية ولأهل البلد والمعازيم... وقد تطلق بعض الأعيرة النارية احتفالاً بزواج إحدى الطالبات التي صادف زفافها يوم التخرج فحضرت إلى قاعة التخريج مع عريسها بثوب الزفاف راقصة محتفلة بفرحتين...
حسب الخبر في
موقع العرب الذي غطى الاحتفال، ونقل لنا اللحظات السعيدة : " حفل تخريج مميز بزواج الطالبة ألاء عباس من عريسها ظافر حسين الذي صادف حفل التخريج في نفس يوم زفافهما... * حضرت العروس بالبدلة البيضاء لتستلم شهادة إنهاء الصف الثاني عشر ولتودع رفاقها "
هناك مواقف أجد نفسي بها عاجزة عن التعبير، رغم أن لساني مجازياً يقاس بالأشبار...وليس هناك من هم أكثر مني تعرضاً لهذا الموضوع العيني، هذه الأوضاع التي تؤول بنا يوم بعد يوم، أصبحت اشعر حيالها ككرة ثلج تنحدر وتتضخم لتهوي على رؤوسنا وتخنقنا بثلجها الأبيض كبياض أثواب العرائس الأطفال... فمنذ أن تخرجت من كلية العمل الاجتماعي في الجامعة العبرية، وأنا أناهض ما يسمى الزواج المبكر، والمعنى الأدق تزويج الطفلات....
للأسف لا أجد مكان هنا لإبداء الحساسية ولسعادة الصبية الطفلة المتزوجة، قد أقول أنها على الأقل أنهت الثاني عشر، لكن هذه الصور العبثية المرفقة أجدها من نوعية الأمور التي تسير بنا بفخر إلى الحضيض...
جريدة عربية مرموقة تهلل للزواج المبكر وتنشره كتلوين لصفحاتها بدون أي نقد او مسؤولية اجتماعية، ربما تشرع وتحضر للرقصة القادمة في تخرج الإعدادية او الابتدائية حتى...
من ينظر الى الصور المرفقة يلحظ ان الصبايا المتخرجات والجميلات خاصة، يحضين بتغطية خاصة وصور فردية.. ربما هي دعاية مجانية للزواج.. وأعتذر لكل فتاة تظهر في هذه الأخبار، قد لا يكون هذا الإعلان باختيارهن أو هو ما قصدنه، اعرف انه شعور جميل ان تنشر صورتك في الأخبار الصحفية، لكن هل هذا من أجلك؟ ومن اجل انجازك؟ أم انه يزيد من عدد المشاهدات والدخول إلى مواقع الانترنت..

منذ مدة طويلة تحاول الجمعيات النسوية العربية الصراخ، ولفت النظر الى هذه المشكلة، انا شخصياً ادعى واذهب مراراً لتقديم المحاضرات حول الزواج المبكر وكأنها فعالية اعتيادية، مثل برامج قراءة الكف ودروس التجميل في الفعاليات النسائية، وبعد المحاضرة تصافحني الأمهات المشاركات بقول : " كثير حلو.. الله يوفقك ويستر عليكي...."، فكيف يمكن لمحاضرة ساعة ونصف ان تغيير من ترسبات تربية أجيال، ان الزواج هو المصير المثالي باي ثمن وان المرأة ستكون ناقصة بلا زوج... وستر.. حتى لو كانت محاضرة او اعلامية او..
في أماكن أخرى وصل الأمر إلى أكثر من ذلك.. في السعودية
مأذون مدينة جدة شرع بزواج الرضيعات بشرط الدخول بهن بعد التاسعة !! أي شرع باغتصاب الأطفال و "البدوفيليا".. قد يتنكر له الغالبية من رجال الدين، لكن ربما سيكون هناك اب واحد على الأقل سيسعده الحصول على فتوى لبيع طفلته.. وهذا لم يكن طفرة او صدفة، كل هذا سبقه إعداد وشرعنه، أكان من النظام ام من رجال الدين او من الصحافة والإعلام... او.. او... او من الصامتين.
قبل ان ينفذ صبركم على كلماتي، لست ضد الزواج والفرح، والعائلة هي اجمل ما يمكن ان يؤسسه الانسان في الحياة... لكن لماذا هذا الغباء؟
لماذا يجب أن تحرم الطفلة من مراهقتها؟
لماذا أصبحت كلمات مثل " الشاب بدو يربيها على ايدية" مباحة ؟
لماذا نتعمد اللف والدوران حول المشكلة؟
زواج الأطفال هو عمل إجرامي بحق جميع من يشارك به. أكانت الطفلة ام من تزوجها او أطفالها حين يولدون...
انه تكريس لدونية المرأة... تكرس للتعامل مع المرأة كسلعة لها تاريخ انتهاء ونفاذ صلاحية...
والأفضل تناولها غضة وصغيرة... !!
انه اغتصاب وتشريع لممارسة الجنس مع الأطفال...
آسفة.. لكن إن لم نصدم فلن نتغير ولن نتحرر ..


مقبولة نصار 7.7.08