13‏/7‏/2010

طاقات

كادت أن تقبل ماكينة المال الآلية، فلم تكن تعرف أن بإمكانها إيداع المال من خلالها أيضا، وكم وفر عليها هذا عناء الوقوف في طابور البنك.
كل من أحاط بماكينات المال حولنا، عرف ان السيدة سعيدة، وإنها من طبعون، كيريات طبعون، وإنها جاءت من هناك خصيصاً لحيفا، ولم تكن متأكدة ان هذه الخدمة متوفرة، ولكن ما أجمله من أمر...

أودعت هي مالها، وبصقت ماكينة المال في وجهي ورقة تقول ان مجمل ديوني بعد الشيكات والارنونا والبلفون والتأمين والتيست وبرنامج التوفير والقرض.. لا تسمح لي بالسحب، ليست أول مرة ولن تكون الأخيرة، وقد أصبحت العلاقة ما بيني وبين ماكينة المال "بالصبابا"، بدون مواقف شخصية.
وخرجت إلى سيارتي.

- هل من الممكن أن أصل معك إلى طبعون؟ قالت السيدة السعيدة

قلت نعم،
مع اني لست من المتعاطفين والخدومين لأبناء عمنا، وعندي رهاب طبيعي من متسلقي السير(الترمبستييون)، ولست كذلك من دعاة صفاء النفس وأننا سواء في الإنسانية، وفلسفات هشام نفاع الامبريالية.

لكنها بدت لي "هبلة"، وأحيانا نسر اذ نجد من هو "أهبل" منا او مسكين أكثر منا من بين أبناء عمنا. استراحة ما من شعور المقموع، أو دور الضحية، ومن أغنية منتصب القامة أمشي..

لم تمض دقيقة حتى تحولت الموسيقى في مذياع السيارة، الى موسيقى عربية، وبدأ غناء عربي أكيد أكيد، لا معزوفة عرقية، ولا شرقية مسجلة في باريس، ولا إيقاعات معولمة قابلة للتأويل..

أنصتت، تنفست، هدلت حاجبيها حتى صاروا مثل الثمانية، غرست معصميها بين فخديها وأحنت جسدها ومن ثم رفعته وقالت في ابتسامة متأثرة:

- " أنا مع السلام" ..

حتى أني أشارك في الكثيرات من المسيرات لكل الأديان، نستطيع ان نحب بعضنا لا فرق بين أي دين، طاقة هذا الوجود طاقة حب، ويجب أن نحب بعضنا، أتعرفين أنا أعيش هنا في طبعون، ازرع مع زوجي زراعة بيئية، وهذا أهم شيء.
نحن نشكر الوجود، ولا نضره، أنا اشكر شجرة الافوكادو التي أعطتني الثمر، قبل أن أكل أي شيء اذكر أن اشكر الطبيعة، مع إني أنسى أحيانا، لكن اعرف الطبيعة تسامحني لأنها تحب أن تعطينا، لنبني الحياة، هذا الكون هو حب وسرور..

- اها (أنا).

- لا اعرف ربما كنت في تناسخ سابق عربية، إذن كيف لنا أن نكون ضد أنفسنا، وضد كل هذه الأشياء الجميلة التي لدينا.. قبل عدة أشهر كنت في مهرجان في "بيت شان" فتاة عربية غنت بصوت رائع أغاني للسلام، غنت فقط أغاني سلام، كم تأثرت.. أردت فقط أن ابقي اغني وارقص، مع أني لم افهم شيئ ..
اشعر أحيانا انها بركة اننا نعيش معا هنا، لكي تكون لنا إمكانية ان نعمل أشياء جيدة لبعضنا، لان الواقع ليس جيد.... يجب ان نشفي الماضي من أجل الحاضر....

كنا قد وصلنا منذ عشر دقائق وكنت على حافة الدنق من الكارمات والطاقات والحب والمحبة.
"اها" يتيمة قلتها لم تكن كافية لتصل الرسالة : إنو منشان الله " فهمت" .. فهمت انو أنت مع السلام..

استحضرت خوفي الدفين هنا من متسلقي السير.. هذا النوع لم أعهده، فلم يعودوا لصوص او مغتصبين/ات، او من أولئك اللذين يسألونك عن كل أبو فلان في قريتك...
هناك نوع فتاك جديد من الممكن يسبب "اوفردوس"، موت بوجبة مفرطة من السلام والحب.
وأخيرا ودعتني ودعت لي بكارمات رائعة وكل الطاقات والشغلات الحلوة.


لحظة مخلصناش،

عودة على كاما سوترا الحياة التي سمعتها قبل قليل، كيف لم اكتشف هذا من قبل ... فكم نحن متشابهات...

متشابهات صحيح لكن بكل الأحوال، أبقى فلسطينية، ومن طباع الفلسطينيات المعروفة والموثقة شفوياً وتاريخياً، النكد. والذي اتخذ شكلاً نضالياً في حالتنا الفلسطينية، موجه ومعبئ سياسياً، والفلسطينية الحقيقة لا تنسى السياسة في أي مكان، أكان في الطبيعة او الفراش او في اليوغا او حتى في الحمام..

نحن متشابهات، دلالة على ذلك أصولي العرّابٍيَة، والجينات التي ورثتها عن أمي بالتعصب الشديد للعكوب البيئي، ومنها تعلمت شكر كل قرمية علت، وبيت سينارية مقشر من الأشواك بقرُش في إيقاع متناغم مع هارمونيا الطبيعة.

وبصراحة اخجل من نفسي الآن لأن بطيخنا وبصلنا في البطوف لم يكن اورغانياً، حمداً للكون أننا لم نستطع مواصلة زراعته، وحلت محلنا في هذه الخطيئة الكيبوتسات التي تنتج البطيخ المسمن خالي البذور، الذي سيتربع على تحلاية هذا الرمضان الصيفي.

ليس هناك بالطبع حاجة لشكر الفوكادو، نحن ممنوعون من زراعته أصلا، مع ذلك سأشكره لأنه ارتقى بطعم السوشي بشكل نوعي.

كيف لم اعرف أن أناس آخرون يعيشون بيننا لديهم الحل. على الأغلب نزل عليهم هذا الحل أيضا على رأس جبل في سيناء..

وألان وصلني ..

سأتصالح مع نفسي وألَقَى نفسي، وأحب الهواء واشكره، وأحب الشجر واشكره، وأحب البحر واشكره، وأحب ابو محمود تبع الدكانة واشكره .. واشفي الماضي من اجل الحاضر، ومؤكد مؤكد عندها سيكافئني الوجود وفي التناسخ القادم سأكون لاجئ عائد...

خلص دمعيت ... جاي عبالي أعبط شجرة .


مقبولة نصار

13.7.2010