ريم...
في السنة الأولى لدراستي الجامعية في القدس، شاركت في مشروع " بيرح" للمنح الجامعية، وبدأت بإرشاد "ريم" - طفلة في الثانية عشرة من العمر من قرية العيسوية المجاورة للقدس.. في يوم غريب لا زلت اذكر الجمود الحجري الذي أصابني.. ريم اتصلت بي لتخبرني انها تحمل بشارة لي.. كاد يتوقف قلبي عندما حضرت للقائنا تلبس سلسلة ذهبية شرسة كالجنزير..
- " معلمتي انخطبت "...
لم استطع تصور أي شيء في هذه اللحظة، سوى ان ريم أمضت عدة جلسات معي لكي تنجح في حساب 5x 5... وأنها أصيبت بالهلع وكادت تهرب من يدي عندما حاولت الصعود معها على الدرجات الكهربائية خلال جولة في الجامعة..
أمها لم تكن سعيدة، لكنها اعتقدت ان هذا لمصلحتها فأوضاعهم صعبة، وجسم ريم ليس بصغير نسبة لجيلها.. وانه لن يكون الممكن إرسالها للدراسة الثانوية في القدس.. لان الزعران كثر على الطرقات... وهناك الجنود وهي ايضاً ليست نابغة زمانها في الدراسة... ولأن.. ولأن...، وكأن كل القضية الفلسطينية ومخرجاتها تحتم زواج ريم في الثانية عشرة من عمرها...
حاولت... قدر استطاعتي في ذلك الوقت... ولم انجح بإيقاف المأساة التي اعرف إنها ستحدث لا محالة... بعد ذلك ريم تحجبت متطوعة لكي تثبت لأهلها إنها على قدر المسؤولية.. او ربما كانت سعيدة.. !
كانت نهاية السنة في مشروع المنح والإرشاد ستختتم بيوم ترفيهي كبير والعاب ومسابقات لجميع الأطفال المشاركين... مهمتي الصعبة كانت إقناع والدها أنه ليس عيباً ان تشارك "صبية" مخطوبة بيوم كهذا. اقتنع في النهاية واصطحبتها الى اليوم الترفيهي... لأجد ريم المخطوبة وهي تحمل حقيبة كتف كالكبار.. تقف مشدوهة على المدخل تتردد في الدخول رغم تحمسها العارم قبل وصولنا... صدمتها رؤية الألعاب الكبيرة المنفوخة التي تشبه القصور في قصص الأطفال، ربما أحست ان هذا ليس مكانها وأنها لن تستطيع أن تلعب منذ الآن وصاعداً... أحسست في اللحظة اني ربما أخطأت بإحضارها لهذا المكان، ليس لان ريم ستفتقد لكل هذا في حياتها القادمة، فالعيسوية كلها ليس بها مرجوحة واحدة للعب... ربما كانت هذه مواجهتها بواقع لا تستطيع تغييره الآن، او ربما لأن هذه هي المرة الوحيدة التي تجد أمامها فرصة للعب غير المقيد والمنوع في جنة الألعاب هذه التي لا يعرفها أطفال القدس أي كانوا.. لكنها وصلته وهي غير قادرة على التمتع به...
نظرت إليها وسألتها هل تريدين اللعب ؟ كانت خجلة من الإجابة..
مددت يدي إليها فناولتني منديلها وحقيبتها وقفزت إلى الألعاب المنفوخة.. ومنها إلى بركة الكرات، كانت البنت الوحيدة في المنافسات على تسلق الحبال وفازت بدمية صغيرة، لعبت إلى ان خارت قواها... ربما للمرة الأخيرة..
من هم في جيل عادي للزواج يصنعون الحفلات لتوديع العزوبية، هذه كانت حفلة ريم لتوديع الطفولة.. !
بعد عدة أشهر دعتني لحضور عرسها، لكن لم استطع الذهاب ورؤية وجهها الصغير ممرغا بالألوان.. اعتقد أني رأيتها مرة واحدة بعد ذلك بسنوات، امرأة بيضاء الوجه خضراء العينين.. تراقبني من شباك الحافلة المتجهة إلى العيسوية..
في السنة الأولى لدراستي الجامعية في القدس، شاركت في مشروع " بيرح" للمنح الجامعية، وبدأت بإرشاد "ريم" - طفلة في الثانية عشرة من العمر من قرية العيسوية المجاورة للقدس.. في يوم غريب لا زلت اذكر الجمود الحجري الذي أصابني.. ريم اتصلت بي لتخبرني انها تحمل بشارة لي.. كاد يتوقف قلبي عندما حضرت للقائنا تلبس سلسلة ذهبية شرسة كالجنزير..
- " معلمتي انخطبت "...
لم استطع تصور أي شيء في هذه اللحظة، سوى ان ريم أمضت عدة جلسات معي لكي تنجح في حساب 5x 5... وأنها أصيبت بالهلع وكادت تهرب من يدي عندما حاولت الصعود معها على الدرجات الكهربائية خلال جولة في الجامعة..
أمها لم تكن سعيدة، لكنها اعتقدت ان هذا لمصلحتها فأوضاعهم صعبة، وجسم ريم ليس بصغير نسبة لجيلها.. وانه لن يكون الممكن إرسالها للدراسة الثانوية في القدس.. لان الزعران كثر على الطرقات... وهناك الجنود وهي ايضاً ليست نابغة زمانها في الدراسة... ولأن.. ولأن...، وكأن كل القضية الفلسطينية ومخرجاتها تحتم زواج ريم في الثانية عشرة من عمرها...
حاولت... قدر استطاعتي في ذلك الوقت... ولم انجح بإيقاف المأساة التي اعرف إنها ستحدث لا محالة... بعد ذلك ريم تحجبت متطوعة لكي تثبت لأهلها إنها على قدر المسؤولية.. او ربما كانت سعيدة.. !
كانت نهاية السنة في مشروع المنح والإرشاد ستختتم بيوم ترفيهي كبير والعاب ومسابقات لجميع الأطفال المشاركين... مهمتي الصعبة كانت إقناع والدها أنه ليس عيباً ان تشارك "صبية" مخطوبة بيوم كهذا. اقتنع في النهاية واصطحبتها الى اليوم الترفيهي... لأجد ريم المخطوبة وهي تحمل حقيبة كتف كالكبار.. تقف مشدوهة على المدخل تتردد في الدخول رغم تحمسها العارم قبل وصولنا... صدمتها رؤية الألعاب الكبيرة المنفوخة التي تشبه القصور في قصص الأطفال، ربما أحست ان هذا ليس مكانها وأنها لن تستطيع أن تلعب منذ الآن وصاعداً... أحسست في اللحظة اني ربما أخطأت بإحضارها لهذا المكان، ليس لان ريم ستفتقد لكل هذا في حياتها القادمة، فالعيسوية كلها ليس بها مرجوحة واحدة للعب... ربما كانت هذه مواجهتها بواقع لا تستطيع تغييره الآن، او ربما لأن هذه هي المرة الوحيدة التي تجد أمامها فرصة للعب غير المقيد والمنوع في جنة الألعاب هذه التي لا يعرفها أطفال القدس أي كانوا.. لكنها وصلته وهي غير قادرة على التمتع به...
نظرت إليها وسألتها هل تريدين اللعب ؟ كانت خجلة من الإجابة..
مددت يدي إليها فناولتني منديلها وحقيبتها وقفزت إلى الألعاب المنفوخة.. ومنها إلى بركة الكرات، كانت البنت الوحيدة في المنافسات على تسلق الحبال وفازت بدمية صغيرة، لعبت إلى ان خارت قواها... ربما للمرة الأخيرة..
من هم في جيل عادي للزواج يصنعون الحفلات لتوديع العزوبية، هذه كانت حفلة ريم لتوديع الطفولة.. !
بعد عدة أشهر دعتني لحضور عرسها، لكن لم استطع الذهاب ورؤية وجهها الصغير ممرغا بالألوان.. اعتقد أني رأيتها مرة واحدة بعد ذلك بسنوات، امرأة بيضاء الوجه خضراء العينين.. تراقبني من شباك الحافلة المتجهة إلى العيسوية..
مقبولة نصار 7.7.08